غزواني.. ثلاث سنوات من الحكم الرشيد / محمد ولد كربالي

عند تسلمه للسلطة واجه فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني معضلتين أساسيتين أولهما، الوضع الاقتصادي حيث كانت حسابات الخزينة العامة بعيدة من التوقعات، والثانية الوضع السياسي المتأزم بين نظام العشرية والمعارضة حيث كان الشروع في العمل يتطلب وضع استراتيجية على جناح سرعة مبنية على خلق الثقة بين نظام الحكم الجديد والمعارضة وكافة الفاعلين السياسيين والشخصيات المرجعية والمجتمع المدني بما في ذلك بعض الحركات المتطرفة إلى حد رفع شعارات و خطابات عنصرية وقد تحقق كل ذلك في وقت قياسي لم يتوقعه أحد؛

لم يتأخر الرئيس في إنعاش الاقتصاد الوطني من خلال توظيف علاقاته المتميزة مع الشركاء في التنمية والدول الشقيقة مع سلسلة من الاجراءات المستعجل الأخرى، والتي من بينها تفعيل دور مؤسسات الرقابة ومواجهة كل أنواع الفساد وسوء التسيير الذي استشرى في الفترة الماضية وذلك بغية استرجاع الإدارة لدورها وهيبتها بوصفها الوسيلة الوحيدة لاستعادة مكانة الدولة ومصداقيتها..

حصل كل ذلك بالموازاة مع “استرجاع مكانة الدولة” على المستوي الدولي والإقليمي، حيث وظًف الرئيس رصيد علاقاته عندما كان قائدا للجيوش وأسس لعلاقات متميزة مع الاتحاد الاوروبي، تمت بلورتها في إعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية و التعاون العسكري والأمني المشترك، حيث كان له الدور الرئيس في طرح الاستراتيجيات التي يعتمد عليها حاليا “حلف الشمال الأطلسي” من خلال مقاربة أمنية مدروسة و معقلنة في منطقة الساحل..

ولم تقتصر تلك الحركية الدبلوماسية على الأوروبيين فحسب، بل تجاوزتهم إلى الآسيويين حيث شهدت العلاقة مع الصين أحسن ظروفها منذ الاستقلال وكذلك مع الولايات المتحدة، بعد أن أستهلً المشوار بعمقه العربي من خلال الأشقاء في الامارات والسعودية والكويت ومصر غيرهم من الدول العربية الأخري وأعاد ترتيب الأوراق مع الشقيقة قطر لما أصبح لها من دور استيراتيجي ودولي، كما أعاد التوازن لعلاقاتنا مع محيطنا المغاربي، ناهيك عن الدور المتميز والمصداقية التي يتمتع بها على مستوى قارتنا الأفريقية وخاصة دول الساحل والاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية الأخرى.

لقد عكس إسراع الرئيس بإعادة التوازن للوضع الداخلي ورسم سياسة خارجية محكمة تعتمد على المصالح المشتركة، تلك الرؤية الثاقبة التي يتمتع بها الرجل مع إدراكه للأولويات قبل الشروع في برامج اجتماعية واقتصادية استهدفت الفئات الأكثر فقرا والتي ظلت على الهامش طيلة المراحل الماضية من عمر الدولة.

فقد عكف الرئيس على ترميم البنى التحتية المتهالكة كونها الإطار الوحيد المتاح لتنفيذ برنامجه الطموح، بالنظر إلى التراكمات التي سببها عقد من الفوضى والفساد ؛ و شكلت المدارس أولوية من حيث الترميم والتشييد وتوفير المعدات وظروف المدرسين وتكييف النصوص مع الاصلاحات التي يراد القيام بها وكذلك ترميم وتشييد المستشفيات والأجهزة الطبية وتوفير الدواء غير المغشوش، وتنظيم الصيدليات وتأهيل الطواقم الطبية كما شكلت مشكلة المياه والكهرباء مطلبًا ملحا ومستعجلا ناهيك عن وضعية الطرق المتهالكة وما ينتج عن ذلك من حوادث يومية على جميع الاتجاهات.

وفي الوقت الذي كانت فيه خزينة الدولة عاجزة على مواجهة كل هذه التحديات التي كانت مسيرة في الماضي بعدم الاهتمام والتجاهل من طرف السلطات، وفي اثناء تلك “المعارك” التي كانت تخاض علي عدة جبهات مختلفة دخل “كوفيد 19” على الخط ليزيد الطين بلة؛ إلا أن كل ذلك تمت معالجته والتغلب عليه بحكمة وبأقل الخسائر إذا ما قارنا الوضع مع بعض دول العالم، وذلك بشهادة منظمة الصحة العالمية والمنظمات التابعة للأمم المتحدة..

وعلى الرغم من تأثيرات الحرب في أوكرانيا وما صاحبها من تصاعد مذهل في أسعار المواد الغذائية والمحروقات وما خلقته من ارتباك في اقتصاديات كبريات الدول إلا أن التعاطي الحكومي السلس مع تلك الأزمة مكًن موريتانيا من تخفيف تلك المخلفات عن طريق تدخلات معتبرة لصالح الفقراء وساكنة المناطق النائية بفضل برامج طموحة عملت عليها مندوبية (تآزر) ومفوضية الأمن الغذائي، كما أن دعم المحروقات لم يتقلص بأكثر من 30% عكس العديد من الدول ومنها بعض دول الجوار.

لكن لا يخفى على أي متتبع لهذه المرحل الناجحة بامتياز ما واكبها من تشويش ممن لا يحبون الخير لبلدنا ومن كانوا يستفيدون من الوضعية الماضية وأصحاب المصالح الضيقة والانتهازيين و المأجورين والوافدين الجدد على السياسة وحتى المحبطين؛ لقد شعر هؤلاء جميعا بأن مصالحهم أصبحت مهددة و شكلوا تنظيمات متعدد الأذرع عبر وسائل “التواصل الاجتماعي” وواكبوا مرحلة الإصلاح هذه، بحملات تشويش شرسة استخدم فيها الكثير من الوسائل المادية واللوجستية تحت إشراف جماعات منظمة في الداخل وفي الخارج، القاسم المشترك بينهم محاولة “زعزعة النظام والأمن والتشويش على انجازاته” بهدف عرقلة تنفيذ البرامج الطموحة التي شرع الرجل في تنفيذها وخاصة تلك التي تستهدف المواطن الفقير والطبقات الهشة.

ونظرا لما سبق ومن خلال متابعة دقيقة و موضوعية يمكن القول بكل صدق وبدون مزايدات إن ما قام به فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من إصلاحات وإجراءات ومواقف وصمود في هذه السنوات الثلاث يستحق الإشادة من طرف جميع الموريتانيين المهتمين بالشأن العام مع دراية كافية بما يجري اليوم في العالم وإلي أين يتوجه.

لقد أظهر فخامة الرئيس ما يخفيه من شجاعة وقدرة وكفاءة وتحمل وصبر عندما تعلق الأمر بانقاذ بلده من وضعية دولية يصعب التحكم في خفاياها، كما استطاع في وقت وجيز، أن يتجاوز بموريتانيا “الخطر” الذي كان يتهددها؛ ونحن اليوم نتطلع للتنمية والازدهار في ظل قيادة برهنت أنها تملك القدرة والإرادة والتصميم والشجاعة ما يجعلنا نرتاح لمستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة، وهي فرصة لا نتمنى أن نخسرها كبلد وشعب..

وهنا لا يفوتني أن أشيد بفخر واعتزاز بالدور الرائد لقواتنا المسلحة وقوات أمننا في مواكبة هذه المرحلة التي عرف فيها العالم كل هذه التطورات الخطيرة التي هزًت كيان العديد من الدول أقتصاديا وأمنيا وصحيا و التي كنا نحتاج فيها إلى مستوى عال من الأمن والاستقرار و التًغلب على جميع التحديات التي نواجهها و يواجهه العالم بأسره.

 

زر الذهاب إلى الأعلى