هذا هو ما سيفيد الفئات والشرائح الهشة! / محمد الأمين ولد الفاضل

يرى أغلب من يرفع شعار النضال الحقوقي في هذه البلاد أن مشاكل الفئات والشرائح الهشة يمكن أن تحل من خلال التعيين والتوظيف، أومن خلال منح بعض الامتيازات الخاصة لبعض أبناء تلك الفئات والشرائح الهشة. ولقد تعود “المناضلون الحقوقيون” في هذه البلاد أن يحصروا مطلب التمييز الإيجابي في مجال التعيين والتوظيف فقط، ولذا فمن النادر جدا أن تسمعهم يطالبون بتمييز إيجابي لصالح مشاريع معينة أو قطاعات معينة من شأن التمييز الإيجابي لصالحها أن يحدث نقلة اجتماعية واقتصادية كبيرة في أوساط الفئات والشرائح الهشة.

لا يعني هذا الكلام أن التمييز الإيجابي في مجال التعيين والتوظيف لصالح أبناء الفئات والشرائح الهشة ليس بالأمر المهم، بلى إنه أمرٌ مهمٌ، لا شك في ذلك، ولكن، وبالعودة إلى كثير من الأمثلة في هذا المجال، فسنجد أن التمييز الإيجابي في مجال التوظيف أو التعيين أو في مجال منح بعض الامتيازات الخاصة الأخرى لم ينعكس إيجابا على الشرائح والفئات الهشة، وإنما اقتصرت آثاره الإيجابية على الأشخاص الذين تم تعيينهم أو توظيفهم، وإن تعدتهم تلك الآثار الإيجابية، فإنها في أحسن الأحوال لم تتجاوز أسرهم الضيقة.

لا خلاف على أن التمييز الإيجابي في التوظيف والتعيين لصالح أبناء الفئات والشرائح الهشة سيبقى مطلبا مشروعا، ولا خلاف على أنه من دواعي الاطمئنان على وحدة هذه البلاد وتلاحم شعبها وتماسكه أن يرى الواحد منا كل مكونات موريتانيا في التعيينات التي تأتي مع بيانات مجالس الوزراء، وكذلك في نتائج أي مسابقة يتم تنظيمها، وفي واجهة كل إدارة وكل تجمع سياسي أو أهلي.

لا خلاف على أن من دواعي الاطمئنان على وحدة هذه البلاد وعلى تلاحم شعبها وتماسكه، أن ترى موريتانيا مصغرة أينما وليت وجهك: أن تراها في قصور الأغنياء وفي أكواخ الفقراء، في هرم الوظائف وفي أدناها، في صفوف القادة وفي جماهير المناضلين، في علية المجتمع وفي عامته، في فرق الرماية وكذلك في فرق كرة القدم.

من المهم جدا أن يرى الواحد منا موريتانيا مصغرة أينما ولى وجهه، ولكن هل الطريقة الأسرع والأنجع لتحقيق ذلك ستكون من خلال التركيز على المطالبة بتمييز إيجابي في مجال التوظيف والتعيينات، والذي لن يستفيد منه إلا عدد محدود جدا من الأشخاص وأسرهم الضيقة، أم أن الطريقة الأسرع والأنجع ستكون من خلال سياسة تمييز إيجابي على مستوى القطاعات والمشاريع، وخاصة منها تلك المشاريع التي سيساهم تطويرها في إحداث ترقية اجتماعية سريعة داخل الفئات والشرائح الهشة.

لقد أصبح المطلب الوحيد المتداول في “الخطاب الحقوقي” الرائج في السنوات الأخيرة ينحصر في التمييز الإيجابي في التوظيف والتعيين، وهذا أمرٌ مفهوم، فأصحاب ذلك الخطاب سيكونون هم أول ـ وربما آخر ـ من سيستفيد بشكل مباشر من تحقيق ذلك المطلب. أما المطلب المتعلق بالتمييز القطاعي، فلا يجد من يتحدث عنه، وذلك لأن المستفيد المباشر منه هو عامة المستضعفين والمهمشين من تلك الفئات والشرائح، وأولئك لا يجدون في كثير من الأحيان من يتبنى مطالبهم بجدية وبصدق، بل إن بعض “المناضلين الحقوقيين” قد يرى أن من مصلحته الخاصة أن يبقى حال أولئك على ما هو عليه، لكي يستمر هو بالمتاجرة بمعاناتهم.

موجب هذا الكلام هو أن وضع الحجر الأساس من طرف رئيس الجمهورية لأول قرية للصناعة التقليدية بالعاصمة نواكشوط مر دون اهتمام يذكر. ومن المؤكد أن هذه القرية سيكون لها الأثر الإيجابي الكبير على الصناعة التقليدية وعلى المجتمع بصفة عامة، وعلى إحدى فئاته بصفة خاصة، إن تم تشييد تلك القرية وفق المخطط المرسوم لها.

وموجب هذا الكلام أن ردود أفعال بعض “المناضلين الحقوقيين” على أي عملية تمييز إيجابي قد تحصل في مجال التوظيف والتعيين، يفوق بكثير ردود أفعالهم على جهود الحكومة الرامية إلى تعميم التأمين الصحي لكي يشمل كل الفئات الهشة في المجتمع.

وموجب هذا الكلام أن مشروع “البرنامج الوطني للتغذية المدرسية” لا يجد من يتحدث عنه، ولا يجد من يضغط على الحكومة لفرض تنفيذه على أحسن وجه، مع العلم أن هذا المشروع لو نجح فسيحدث نقلة نوعية في مجال تمدرس أبناء الفئات والشرائح الهشة، ومن المعروف أن الاهتمام بالتعليم والتأمين الصحي في الأوساط الهشة سيبقى من أهم الخطوات التي قد تساعد في الترقية الاجتماعية في تلك الأوساط.

وموجب هذا الكلام أن “الخطاب الحقوقي” الذي يزداد حدة وارتفاعا عند الحديث عن التمييز الإيجابي في مجال التوظيف والتعيين، هو نفسه الخطاب الذي يتحول إلى خطاب باهت أو معدوم عندما يتعلق الأمر بالقضايا المهمة، والتي من شأن الاهتمام بها أن يحدث الأثر الأكبر في مجال الترقية الاجتماعية والاقتصادية في الأوساط الأكثر هشاشة وفقرا.

لا أحد من “المناضلين الحقوقيين” يتحدث اليوم عن مصير مئات بل آلاف صغار الجزارين وبائعات الخضروات اللواتي سيجدن أنفسهن قريبا بلا عمل، بفعل التطور الحاصل في المجازر ومحلات بيع الخضروات، وهو تطور لن يستطيع أن يواكبه إلا من يمتلك من المال ما يكفي لتجهيز مجزرة عصرية لبيع اللحوم والخضروات.

لا أحد من “مناضلي التمييز الإيجابي في مجال التوظيف” يُطالب اليوم بتوفير قروض صغيرة وميسرة لغسالي الثياب وصغار الجزارين وبائعات الخضروات حتى يتمكن هؤلاء وأولئك من مواكبة التطور الحاصل في هذه المهن، وهو تطور يفرضه واقع المدن اليوم.

لا أحد من “مناضلي التمييز الإيجابي في مجال التوظيف” يطالب اليوم بالالتفات إلى اليد العاملة وأصحاب المهن الصغيرة، ولا إلى الزراعة المطرية، ولا إلى القطاع غير المصنف، ومن المعروف أن الاهتمام بمثل هذه القطاعات هو الذي سيترك أثرا اقتصاديا واجتماعيا إيجابيا على عشرات الآلاف إن لم أقل مئات الآلاف من الموريتانيين الأكثر فقرا والأكثر هشاشة.

فإلى متى ستظل كل مطالب “المناضلين الحقوقيين” في بلادنا تنحصر فقط في التمييز الإيجابي في مجال التوظيف والتعيين؟ وهل لهذا الأمر علاقة ما بالمصالح الشخصية الضيقة لأولئك “المناضلين الحقوقيين”؟

حفظ الله موريتانيا…

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى